كتاب تفسير القرآن - تفسير ابن كثير
تفسير ابن كثير pdf |
عن الطبعة
نشر سنة 2005
2088 صفحة
ISBN 977-342-005-1
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
يعد علم التفسير من أهم العلوم الإسلامية التي يحرص المسلمون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى عصرنا الحالي على تعلمها، والنهل من معينها، ويعتبر تفسير القرآن العظيم المشهور بتفسير ابن كثير من الكتب الجامعة التي لا غنى لكل بيت مسلم عنها، وذلك لما يحويه بين دفتيه من علم غزير ونفع للإسلام والمسلمين،
ويعتبر هذا الكتاب مرجعا مهمًّا للعلماء وطلاب العلم يستقون من معينه ما يروون به ظمأهم، لذا يقدم هذا المختصر ذلك التفسير في صورة سهلة وطريقة واضحة خالية من الإسرائيليات والآثار الموضوعة، ويحتفظ بروح المؤلف ومنهجه في كتابه؛ ذلك حتى يستفيد القارئ المسلم. منه وينهل منه كما ينهل الطائر العطشان من النهر الجاري لا ينقضي منه شيئًا وإنما يرتوي بماء عذب نقي.
الدليل في أقوال ابن كثير رحمه الله في كتابيه "طبقات الشافعيين" و"البداية والنهاية" :
1. قال رحمه الله في "طبقات الشافعيين" في ترجمة أبي الحسن الأشعري:
(قلتُ: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري، رحمه الله، ثلاثة أحوال، أولها: حال الاعتزال، التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني : إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي : الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك، والحال الثالثة : إثبات ذلك كله من غير تكييف، ولا تشبيه، جريا على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرا، وشرحه القاضي الباقلاني، ونقلها أبو القاسم ابن عساكر، وهي التي مال إليها الباقلاني، وإمام الحرمين، وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين، في أواخر أقوالهم، والله أعلم.)
أ - قوله: (الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه) يعني بـ"كله": الصفات التي ذكرها في الحال الثانية؛ العقلية والخبرية.
فإن قال قائل: قصد ابن كثير بذلك تفويض المعنى، أي أنهم فوضوا معاني تلك الصفات.
الجواب: إذا كان قصده تفويض المعنى فسيلزم من ذلك أنه يقول بتفويض معنى الصفات العقلية أيضا، حيث أنه قال "إثبات ذلك كله ..." فلم يستثني شيئا، فيشمل العقلية أيضا، ولم يفرق بينهما في طريقة الإثبات. فإما أن تقولوا بأن مقصوده هو إثبتها كلها على ظاهرها، أو إثباتها كلها إثبات لفظ فقط، مع تفويض معناها.
ومما يؤكد ما قلته في مقصود بـ"كله"، قوله في موضع آخر في "طبقات الشافعيين":
((قلتُ: أما طريقة الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري في الصفات بعد أن رجع عن الاعتزال، بل وبعد أن قدم بغداد، وأخذ عن أصحاب الحديث كزكريا الساجي وغيره، فإنها من أصح الطرق وللمذهب، فإنه يثبت الصفات العقلية والخبرية، ولا ينكر منها شيئًا، ولا يكيف منها شيئًا، وهذه طريقة السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة، حشرنا الله في زمرتهم وأماتنا على اتباعهم ومحبتهم، إنه سميع الدعاء جواد كريم.))
فقال بأن الأشعري أثبت الصفات العقلية والخبرية، وقد ذكر في الموضع الذي قبله بأن الخبرية تشمل صفة الوجه واليدين .. إلخ.
ولاحظ أن ابن كثير رحمه الله ذكر مع الصفات الخبرية: "القدم" و"الساق" ، وهي من الصفات التي لا يثبتها الأشاعرة لا قديما ولا حديثا، بخلاف الوجه واليدين والعينين، فإن الأشاعرة المتقدمين يثبتونها على ظاهرها كما قال الجويني في "الإرشاد"، أما القدم والساق فيأولونها.
قال الجويني رحمه الله في "الإرشاد" (ص155 و157-158) :
(ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين، والعينين، والوجه، صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا: حمل اليدين على القدرة، وحمل اليمين على
البصر، وحمل الوجه على الوجود. ومن أثبت هذه الصفات السمعية وصار إلى أنها زائدة على ما دلت عليه دلالات العقول ... ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات بظواهر هذه الآيات، ألزمه سوق كلامه أن يجعل الاستواء والمجيء والنزول والجنب من الصفات تمسكا بالظاهر، فإن ساغ تأويلها فما يتفق عليه، لم يبعد أيضا طريق التأويل فيما ذكرناه.)
ب - قوله: (وهي طريقته في الإبانة ... وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين ... في أواخر أقوالهم...)؛ قوله" (في أواخر أقوالهم) دليل على أنه قصد غير عقيدة الأشاعرة اليوم،
حيث أن الجويني رحمه الله كان في حياته على عقيدة أشاعرة اليوم، والعقيدة التي ذُكرت عنه في آخر حياته ليست هي عقيدة الأشاعرة، ولو كان ابن كثير رحمه الله يقصد بها عقيدة الأشاعرة لما قيدها بـ"آخر حياتهم".
وهذا يوضح مقصود ابن كثير رحمه الله من قوله بأنه "أشعري" فيما رُوي عنه - إن صح عنه-:
"ومن نوادره أنه وقع بينه وبين عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس الناس فقال له ابن كثير: "أنت تكرهني لأنني أشعري"، فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في
قولك أنك أشعري وشيخك ابن تيمية."
يقصد بذلك أنه على اعتقاد الأشعري في المرحلة الأخيرة من حياته عندما رجع إلى عقيدة السلف الصالح، والتي ذكرها في طبقات الشافعيين في الحالة الثالثة للأشعري.
2. مما يؤكد أن ابن كثير رحمه الله مُخالف لعقيدة الأشاعرة إثباته لصفة الخُلّة على الحقيقة، قال رحمه الله في "البداية والنهاية" (1/390) :
( {اجتباه} أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته واتخذه خليلا وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة وقال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا} [النساء: 125]. يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه السلام لانه كان على الدين القويم والصراط المستقيم. وقد قام بجميع ما أمره به ربه، ومدحه تعالى بذلك فقال: (وابراهيم الذي وفى) [ النجم - 27 ]
ولهذا اتخذه الله خليلا والخلة هي: غاية المحبة كما قال بعضهم.
قد تخللت مسلك الروح مني * وبذا سمي الخليل خليلا
وهكذا نال هذه المنزلة خاتم الانبياء وسيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحين وغيرهما).
فالأشاعرة لا يثبتون خلة حقيقية لله عز وجل، ويقولون بأن خلة الله للعبد: نصره إياه، أو غير ذلك من التأويلات.
3. وكلامه الآتي أيضا دليل على أنه ليس بأشعري:
قال في "البداية والنهاية" (10 / 298) :
ذكر أول المحنة والفتنة في هذه السنة كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم، وكتب إليه يستحثه في كتاب مطول وكتب غيره قد سردها ابن جرير كلها، ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا
عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق، بل هو
كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) [ الانبياء: 2 ] وقال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم) [ الاعراف: 11 ] فالامر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر.
وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد.)
وما في كتاب "خلق أفعال العباد" في صفة الكلام لله عز وجل مُخالف لعقيدة الأشاعرة.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق