ليس هناك فصل موضوعي أو قانوني أو حتى فقهي بين الحقوق السياسية للإنسان والحقوق المدنية بل جرت العادة على أن تدرس الحقوق المدنية والسياسية جملة واحدة دون أي تمييز ودون أي فاصل بينهما . 

ولكن ونظرا لأهمية هذين الحقين الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وليس الأهمية فحسب بل مدى الترابط بينهما إذ أن التجمع السلمي ما هو في الحقيقة ألا صورة من صور التعبير عن الرأي ، فقد أثر هذا الكتاب أن يختص بمناقشة هذين الحقين دون سواهما من الحقوق بعدُهما حقين سياسيين دون أن يعني ذلك انكار هذه السمة على بقية الحقوق ودون أن يعني ذلك التسليم بهذا التنصيف . 

لقد تنوعت المصادر التي تتناول هذين الحقين خصوصا الحق في حرية الرأي والتعبير ولكن تنوع هذه المصادر لم يأخذ طابعا واحدا أوعنوانا واحدا فقد يرد هذا الحق تحت مسمى حرية الصحافة أو حرية الاعلام أو اجراءات النشر أو حق الحصول على المعلومات كما أن حق التجمع والتظاهر السلمي قد يرد بعناونين شتى منها الحق في الاجتماع والحق في انشاء النقابات والاحزاب السياسية , وبمناسبة الاحزاب السياسية , فأنه لم يرد لها ذكر لا في الاعلان العالمي ولا في العهدين مما يؤكد أن المواثيق الدولية تتعامل مع الاحزاب بوصفها نقابات ليس ألا . 

لقد حرص الكتاب على ايلاء هذين الحقين معنى قانونيا ومعالجتهما معالجة قانونية صرفة تستند إلى احكام المحاكم وتفاصيل القضايا التي نظرتها المحكمة الاوربية لحقوق الإنسان وفي قضايا شتى واستخلاص أهم المبادئ التي اسست المحكمة رأيها عليها أو قررتها كقاعدة قضائية توضح موقف السلطات العامة والافراد من هذه الحقوق والكيفية التي تتم وفقا لها ممارسة هذه الحقوق بحيث اضفت هذه الاحكام على هذا الكتاب طابعا قانونيا وعمليا مميزا يجعله ينفرد بمناقشة نصوص ومواد وممارسات حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي من وجهة نظر القضاء وبشكل خاص القضاء الاوربي ممثلا في المحكمة الاوربية لحقوق الإنسان التي اعتادت أن تعطي للقضية التي تنظرها إذا ما تعلقت بحقوق الإنسان حكما مؤسسا على نصوص وممارسات مما بعطيها بعدا شاملا يصلح للتطبيق أو الاشارة اليه في غير دول الاتحاد الاوربي . 

وفي الوقت الذي حرص الكتاب على توضيح نطاق هذه الحقوق فأنه أوضح الواجبات والالتزامات التي تترتب على الافراد والمؤسسات وهي تمارس هذه الحقوق ويبين الاضرار والمخاطر التي يمكن أن تلحق بالدولة أو الاخرين جراء الاستعمال المتعسف لهذه الحقوق وذلك في دراسة مقارنة ابتدأت بشرح نصوص المواد الواردة في الاعلان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ثم المواثيق الاقليمية الاوربية والامريكية والافريقية وأنتهاء بموقف الفقه الاسلامي والدستور العراقي من كلا الحقين مع مقارنة ذلك بكل يستجد من احداث وليدة الساعة والعصر خصوصا فيما يتعلق بحق التجح والتظاهر السلمي إذا شهدت أوقات اعداد هذا الكتاب وصياغته انطلاق مظاهرات في جميع انحاء الوطني العربي اطاحت بثلاثة من الروساء العرب ولاتزال المنطقة تشهد حتى ساعة كتاب هذه المقدمة المزيد من التظاهرات والتجمعات السلمية التي شهدت تغطية اعلامية فريدة فلم يسبق أن واكب الاعلام العربي الثورات العربية واماط اللثام عن كل ما يحدث في ارض الواقع من قبل المتظاهرين وكذلك ردة الفعل التي قد يقدم عليها الحاكم في مواجهة تلك المظاهرات وهذه واحدة من الحقائق التي تؤكد عمق الترابط بين الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي .

تحميل كتاب حقوق الانسان السياسية بصيغة doc