مبدأ القاضي الطبيعي
بحث مبدأ القاضي الطبيعي |
بقلم د . طارق الديراوي
يعتبر مبدأ القاضي الطبيعي من المبادئ التي تكمل مبدأي استقلال القضاء وحياده، ويعتبر أيضا نتيجة لمبدأ المساواة أمام القضاء، هذه المساواة التي تأبى إلا أن يحاكم كل المواطنين أمام قضاء واحد هو القضاء الطبيعي،
ويتجلى مفهوم القضاء الطبيعي في عدم مثول المتهم أمام محكمة غير منشأة بقانون قبل وقوع الجريمة ومحددا اختصاصها، وعلى ذلك فان انتزاع سلطة نظر الدعوى أمام محكمة تنشأ تاليا لوقوع الجريمة يعتبر مخالفا لمبدأ حق اللجوء إلى القضاء الطبيعي، كما أن مفهوم القضاء الطبيعي يتجلى أيضا في أن تكون المحكمة دائمية واستبعاد تشكيل المحاكم الوقتية
فالمحاكم المؤقتة تعتبر محاكم استثنائية تختص بنظر جرائم من نوع معين أو محاكمة فئة خاصة من المتهمين، فهي لا تعتبر قضاء طبيعيا لكونها تتميز بطابع مؤقت وترتبط بظروف خاصة، وتنشأ عادة بأداة تشريعية غير تلك التي تنشأ بها محاكم القانون العام وتخضع لإجراءات خاصة ليست كالإجراءات التي تباشرها المحاكم العادية ويغلب عليها إهدار لضمانات الدفاع والبعد عن مبدأ الشرعية؛ الأمر الذي يؤدي إلى حرمان المواطنين من الحقوق الأساسية المقررة لهم وفقا للمبادئ الأساسية في القانون الحديث.
ولكن هذا لا يمنع أن يحاكم المتهم أمام محكمة أخرى تكون أكثر ضماناً للمتهم طالما كانت أصلح للمتهم ولا تنقص من ضمانات الدفاع ولا تعمل على حرمان المتهم من حقوقه الأساسية الواردة في إجراءات المحاكمة.
كما أنه لا يتعارض ومبدأ القضاء الطبيعي أن تكون المحكمتان المختصتان في درجة واحدة من حيث القواعد المتبعة بالنسبة إلى ضمانات القضاء وتنظيمه وتشكيله وإجراءاته.
موقف الدساتير والمؤتمرات الدولية:
وقد أكد على هذا المبدأ القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية في المادة(300) والتي نصت على أنه"………… ولكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي."
وقد كان موضوع القضاء الطبيعي أحد أهم الموضوعات التي طرحت على بساط البحث في مؤتمر العدالة الأول الذي أقامه نادي قضاة مصر بالقاهرة في إبريل سنة 1986، وقد جاء في توصياته " أن المناط في القضاء الطبيعي أن يكون القضاء محددا وفق قواعد قانونية مجردة في وقت سابق على نشوء الدعوى، بما مؤداه أنه يعد قضاء استثنائيا، كل قضاء ينشأ في وقت لاحق على نشوء النزاع أو ارتكاب الجريمة لكي ينظر في دعوى معينة بالذات وان تتوفر فيه الضمانات الجوهرية التي قررها الدستور والقانون، وقد نادى الإعلان العالمي لاستقلال القضاء في مونتريال سنة1983 على عدم جواز إنشاء أيّة محاكم مخصصة(استثنائية) لتحل محل القضاء العادي.
وقد أكد البيان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن المجلس الإسلامي المنعقد في باريس سنة19811 " حق الفرد في محاكمة عادلة أمام محكمة ذات طبيعة قضائية كاملة"
موقف القوانين العربية من القضاء الطبيعي:
لو نظرنا في بعض القوانين العربية لوجدنا أن انتزاع حق المواطن في مثوله أمام قضائه الطبيعي واضح في كثير من المجالات فوجود المحاكم الاستثنائية الدائمة والمؤقتة إلى جانب المحاكم العادية تشكل افتئاتا على حق المتهم في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي،
الشروط الواجب توافرها في القضاء الطبيعي:
لكي يكون القضاء طبيعيًا يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:
1- إنشاء المحكمة وتحديد اختصاصها بقانون:
يجب أن يكون إنشاء المحكمة المختصة بنظر الدعاوى وأن تحدد اختصاصاتها بقانون صادر عن السلطة التشريعية فقط.وبالتالي لا يجوز للسلطة التنفيذية إنشاء محاكم استثنائية أو محاكم خاصة موازية للمحاكم العادية التي يجب أن تمتلك الوظيفة القضائية وفقا للمعيار الموضوعي للمحكمة وعدم الاقتصار فقط علي المعيار الشكلي، ويؤكد ذلك نص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966 حيث جاء فيه إن "لكل فرد الحق في محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة قائمة استنادا إلى القانون".
2- إنشاء المحاكم وتحديد اختصاصها بقواعد عامة مجردة:
لكي يتحقق هذا الشرط يجب أن يعرف كل مواطن سلفا من هو قاضيه بقواعد عامة مجردة، وبالتالي لا يجوز بعد وقوع الجريمة نقل المتهم من قاضيه الطبيعي (المحاكم العادية) إلى محاكم خاصة أنشئت لجرائم محددة دون ضوابط عامة ومجردة، ولذلك يعتبر إدخال جرائم قد وقعت في الماضي في اختصاص المحكمة الجديدة يعد انتزاعا ضمنيا لاختصاص المحكمة الأصلية وهو ما يتعارض مع استقلال القضاءولا يكفي أن تكون العقوبات المقررة للجريمة لم يمسها التغيير في القانون الجديد أو تكون الإجراءات واحدة في المحكمتين لأن طبيعة المحكمة واختصاصها أمر يتعلق باستقلال القضاء وحياده وهو أمر لا يمكن التفريط فيه حماية للحريات.
3- أن تكون المحكمة دائمة:
يقصد بها المحكمة العادية التي أنشئت بقانون لنظر الدعوى دون قيد زمني معين، فالمحاكم المؤقتة لا تعتبر من قبيل القضاء الطبيعي إلا بالنسبة للجرائم التي أنشئت من أجلها، أما الجرائم العادية فهي دائما من اختصاص المحاكم العادية التي لا يتوقف وجودها أو اختصاصها على وقت أو ظرف معين
4- انتفاء مصلحة الحكم:
يعتبر هذا الشرط من أبسط مبادئ القضاء فيجب ألا تكون لسلطة الحكم مصلحة في الدعوى المنظورة أمامه، وإلا فإن الحياد القضائي يكون معدوما
نتائج المبدأ:
يترتب على مبدأ القضاء الطبيعي نتائج عدة نذكر منها:
11- لا يجوز للسلطة التنفيذية إنشاء محاكم للفصل في بعض القضايا لأن ذلك من اختصاص السلطة التشريعية، فإذا تم ذلك يعتبر تعارضا مع مبدأ القضاء الطبيعي.
22- لا يجوز للسلطة التشريعية أن تعدل في قواعد التنظيم القضائي والاختصاص إلا في إطار استقلال القضاء، وبالتالي لا يجوز للمشرع أن ينتزع بعض الدعاوى التي كانت من اختصاص محكمة وجعلها من اختصاص محكمة أقل ضمان للمتهم،
33- وينقص حق المتهم في أن يحاكم أمام قضائه الطبيعي أن يقرر المشرع إنشاء محكمة استثنائية تختص بنظر جرائم من نوع معين أو محاكمة فئة خاصة من المتهمين تتميز جرائمهم بطابع خاص، غير مستمدة من تعاليم السياسة الجنائية الحديثة حيث تنشأ عادة بأداة تشريعية غير تلك التي تنشأ بها محاكم القانون العام، كما أنها لا تخضع للإجراءات المقررة في المحاكم العادية، حيث إنها تشكل من قضاة عسكريين أو سياسيين، ويغلب أن تهدر فيها ضمانات الدفاع، كما أنها قد تتحرر من الإجراءات التي يحددها القانون بالإضافة إلى تحررها من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. مما يعني حرمان المواطنين من الحقوق الأساسية المقررة لهم وفقاً للمبادئ الأساسية في القانون الحديث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق